مقدمة: التوتر التاريخي على حافة الهاوية

تشهد العلاقات بين الهند وباكستان، الدولتين النوويتين في جنوب آسيا، تصاعداً خطيراً يهدد بتحويل الصراع المزمن حول إقليم كشمير إلى مواجهة عسكرية شاملة. في الأسابيع الأخيرة، وصلت الأزمة الحالية إلى مستويات غير مسبوقة منذ أزمة بالاكوت عام 2019، مع تبادل الضربات العسكرية المباشرة وإغلاق المجالات الجوية وتعليق المعاهدات الثنائية 12. هذا المقال يحلل بعمق جذور الأزمة الحالية، العوامل المحركة للتصعيد، السيناريوهات المحتملة، والتأثيرات الإقليمية والدولية لأي حرب محتملة.

الجذور التاريخية للصراع

النزاع على كشمير: الجرح النازف منذ 1947

يعود الصراع الهندي الباكستاني إلى عام 1947 مع تقسيم شبه القارة الهندية، حيث ظلت كشمير منطقة متنازع عليها. الإقليم الذي تسكنه أغلبية مسلمة يحكمه جزء منه الهند وآخر باكستان، بينما تطالب كلتا الدولتين بالسيادة الكاملة عليه 2. على مدى العقود، شهد الإقليم حربين شبه شاملتين (1947-48 و1965) ومواجهات عسكرية محدودة مثل حرب كارغيل 1999.

تحول الصراع إلى بعد نووي

بعد أن أصبحت كل من الهند وباكستان دولتين نوويتين في 1998 (الهند في مايو، باكستان ردا على ذلك بعد أسابيع)، اتخذ الصراع بعداً أكثر خطورة. العقيدة النووية الباكستانية تتبنى مبدأ "الرد الأول" في حال تعرض وجودها الوطني للخطر، بينما تلتزم الهند بعدم الضربة الأولى لكنها تحتفظ بحق الرد الساحق 2.

الأزمة الحالية: من الهجوم إلى التصعيد الشامل

هجوم باهالجام: الشرارة التي أشعلت الأزمة

في 22 أبريل 2025، هجوم إرهابي استهدف سياحاً هندوساً في منتجع باهالجام بكشمير الهندية، مما أسفر عن مقتل 26 شخصاً على الأقل 29. الهند اتهمت على الفور جماعة "جبهة المقاومة" المرتبطة بباكستان، بينما نفت إسلام آباد أي تورط مباشر 9.

الإجراءات الانتقامية الهندية

ردت الهند بسلسلة إجراءات تصعيدية شملت:

• تعليق معاهدة مياه نهر السند (1960) التي تنظم تقاسم الموارد المائية بين البلدين 19

• طرد الدبلوماسيين الباكستانيين وتقليص بعثتها الدبلوماسية 9

• إغلاق المعابر الحدودية وتعليق التأشيرات 9

• شن "عملية سيندور" العسكرية التي استهدفت 9 مواقع داخل باكستان وكشمير الباكستانية 710

الرد الباكستاني: من الدبلوماسية إلى المواجهة العسكرية

باكستان تصاعدت في ردها من خلال:

• إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية 9

• إجراء تجارب صاروخية متتالية (بما في ذلك صواريخ "فاتح" و"عبدلي") 2

• إسقاط 5 طائرات هندية حسب ادعاءاتها 11

• اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لعرض شكواها ضد الهند 3

العوامل المحركة للتصعيد الحالي

الضغوط الداخلية على القيادتين

في الهند، حكومة ناريندرا مودي تواجه ضغوطاً شعبية هائلة للرد بقوة بعد هجوم باهالجام، خاصة مع اقتراب الانتخابات العامة 1. من ناحية أخرى، القيادة الباكستانية بقيادة رئيس الوزراء شهباز شريف ورئيس الجيش عاصم منير (الذي يوصف بأنه أقل مرونة من سلفه باجوا) تواجه أزمة شرعية داخلية تجعلها أكثر ميلاً للتصعيد 1.

تراجع دور الوساطة الدولية

على عكس أزمات سابقة، يلاحظ تراجع الدور الأمريكي في الوساطة، حيث لم تعين واشنطن سفراء في أي من البلدين 1. كما أن الصين، الحليف التقليدي لباكستان، أصبحت أكثر تحفظاً بسبب توتر علاقاتها مع الهند على حدود أخرى (منطقة لاداخ) 1.

أزمة المياه: سلاح جديد في الصراع

تعليق الهند لمعاهدة مياه نهر السند يضيف بُعداً خطيراً للصراع، حيث اتهمت باكستان الهند بقطع 90% من تدفق مياه نهر تشيناب، مما يهدد الزراعة في إقليم البنجاب الباكستاني 3. باكستان تعتبر هذا "عملاً حربياً" 9.

سيناريوهات الحرب المحتملة

السيناريو الأول: التصعيد المحدود واحتواء الأزمة

في هذا السيناريو، تستمر المواجهات العسكرية المحدودة (تبادل القصف عبر خط السيطرة، عمليات خاصة محدودة) مع احتفاظ كلا الجانبين بقنوات اتصال خلفية لاحتواء الأزمة 1. هذا السيناريو يعتمد على:

• رغبة الطرفين في تجنب الحرب الشاملة

• ضغوط دولية متزايدة

• التكاليف الاقتصادية الباهظة لأي تصعيد

السيناريو الثاني: الحرب التقليدية الشاملة

تصعيد المواجهات إلى حرب برية وجوية شاملة، مع:

• معارك جوية مكثفة بالقرب من خط السيطرة 9

• تقدم بري محدود من الجانبين في كشمير

• استهداف البنى التحتية الحيوية (مطارات، موانئ، محطات طاقة)

هذا السيناريو يحمل مخاطر كبيرة بسبب:

• صعوبة السيطرة على مستوى التصعيد

• احتمال وقوع أخطاء تقدير

• الضغوط الشعبية على القيادات لعدم الظهور بمظهر الضعيف

السيناريو الثالث: التصعيد النووي - الكابوس الأسوأ

أقل السيناريوهات احتمالاً لكنه الأكثر تدميراً، حيث قد تضطر باكستان لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية إذا شعرت أن وجودها الوطني مهدد، خاصة إذا اخترقت القوات الهندية عمق أراضيها 2. المؤشرات المقلقة:

• كلا البلدين يمتلكان ما بين 90-110 رأساً نووياً 2

• باكستان طورت صواريخ قصيرة المدى (مثل "نصر") لحمل أسلحة نووية تكتيكية

• الهند تعمل على نظام دفاع صاروخي قد يشعر باكستان بأنها مضطرة لضربة أولى

التداعيات المحتملة لأي حرب

التداعيات الإنسانية

أي مواجهة عسكرية ستكون لها عواقب إنسانية وخيمة، خاصة في كشمير المقسومة:

• نزوح مدنيين على جانبي خط السيطرة

• أزمات إنسانية في المناطق الحدودية

• انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان في المناطق المتضررة

التداعيات الاقتصادية

• باكستان: اقتصادها الهش (350 مليار دولار) قد ينهار، مع:

  • انهيار العملة

  • عجز في الموازنة

  • تعثر في سداد الديون 2

• الهند: رغم اقتصاده الأكبر (3 تريليونات دولار)، سيتأثر بـ:

  • ارتفاع الإنفاق العسكري

  • تراجع الاستثمارات الأجنبية

  • اضطرابات في سلاسل التوريد 2

التأثيرات الإقليمية والدولية

• الصين: قد تدعم باكستان سياسياً وعسكرياً، مما يزيد توتراتها مع الهند 1

• الولايات المتحدة: موقف متحفظ بسبب انشغالها بأزمات أخرى

• روسيا: قد تحاول لعب دور وسيط لكن تأثيرها محدود

• منظمة التعاون الإسلامي: انقسام متوقع بين مؤيد للهند (مثل الإمارات) ومؤيد لباكستان

الخاتمة: هل يمكن تجنب الحرب؟

رغم خطورة الموقف الحالي، تبقى عوامل كبح جماح الحرب قوية، أهمها:

1. الردع النووي المتبادل الذي يجعل تكلفة الحرب باهظة للطرفين

2. التداعيات الاقتصادية الكارثية لأي تصعيد كبير

3. الضغوط الدولية المتزايدة لضبط النفس

لكن الخطر الأكبر يكمن في "مفاجأة استراتيجية" أو خطأ في التقدير قد يدفع بالطرفين إلى هاوية الحرب رغماً عنهما. المجتمع الدولي مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى لعب دور فعال في نزع فتيل الأزمة قبل فوات الأوان 3.

في النهاية، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل سيتعلم القادة من دروس التاريخ، أم سنشهد فصلاً جديداً من فصول هذا الصراع الدامي الذي طال أمده؟ الإجابة ربما تكمن في الأيام القليلة المقبلة.